إننا نعيش في زمن محدود، ليل ونهار يتعاقبان بانتظام، وحياة مقسمة تقسيما محمودا، طفولة فصبا، فشباب، فكهولة فشيخوخة. ولكل قسم عمل خاص لا يليق أن غيره، كالزرع إذا فات أوانه لم يصلح أن يزرع في غيره، فإذا كان الزمن محدودا، وكان قيمتة في حسن إنفاقه وجب أن نحافظ عليه، ونستعمله أحسن استعمال.
علينا أن نحدد لنا هدفا في الحياة لننتفع بوقتنا، وليس أمامنا للإفادة من الوقت والمحافظة عليه إلا طريق واحد، وذلك أن يكون لنا غرض في الحياة فننفق وقتنا في الوصول إليه للحصول عليه.
ويكون ضياع الوقت لسببين :
أولهما: ألا يكون للإنسان غرض يسعى إليه، فإن تحديد الغرض يوفر من الوقت الشيء الكثير، وبه يسير الإنسان في الحياة على الهدى، كلما صادفتة أمور عرف كيف يختار منها ما يقربه من غرضه، ويجتنب ما لا يتفق معه، ويلاحظ أن أكثر الناس عملا أقدرهم على الانتفاع بأوقاتهم، هم الذين حددوا غرضهم في الحياة، فهم يوجهون أعمالهم لينله، ولا يضيع زمانهم في التردد والاختيار، ولا يكون كرة في يد الظروف تلعب بهم كما تشاء، بل هم الذين يصنعون الظروف ويتصرفون فيها حسب أغراضهم في الحياة.
ثانيها: أن يكون للإنسان غرض محدد ولكنه لا يخلص لغرضه، فلا يجد للوصول إليه، وإن عدد الغرض، وعدم الإخلاص له هما اللصان اللذان يسرقان الزمن ويضيعان فائدته ونفعه.
ولا تتطلب المحافظة على الوقت أن نعمل باستمرار دون أن نخصص وقتا للراحة، وإنما تتطلب أن نستعمل اوقات الراحة والفراغ استعمالا يجعلنا أقدر على العمل فإذا صرفنا وقت الفراغ في كسل وخمول لم ننتفع به ولم يفدنا العقل.
وإذا قضينا وقت الفراغ في لعب مفيد، وحركة جسم أو رياضة، أفادنا ذلك في عملنا وأتاح لنا من القوة ما نستطيع أن نخدم به غرضا، فعلى المرء أن ينجر أعماله في حينها، وأن يعمل بالحكمة القائلة: لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد.